الرسم فن جميل وكريم .. فلا يضن بمواهبه على غيره من العلوم والفنون .. فهو يمد كتب اللغات والرياضة بالصور التوضيحية التى تساعد على تفهم قواعدها وقوانينها .. ويمون مؤلفات العلوم والآداب بما يبسط شرح ما غمض منها .. وبدون مساعدة الرسم تكون بعض دروس التاريخ وغالبية الجغرافيا بدون فائدة لأن المتعلم إن لم يدرك للشئ شكله ولونه وتركيبه وتفاصيله يتخيله بشكل لا يمت إليه بصلة .. وهذا التخيل يخرجه عن حقيقته ويفقده قيمته .. ولهذا عمدوا إلى التوضيح بالرسم حتى لا يظن الطالب أن المدن والأنهار فى درس الجغرافيا هى نقط وخطوط يراها على الخريطة .. فى حين أن الطالب فى درس الرسم او الأشغال يشكلها بالتخطيط على الرمل أو على الورق ويمثلها بمنشار الأركت على الخشب ويجسمها بالطين الاسوانى والصلصال ويلونها بألوانها الطبيعية ثم يقدر حجمها ويدرس طباعها .. وأخيرا يعرف موطنها فى الجغرافيا وهكذا يمكنه ان بيعمل بالجبس مرتفعات ووديان ومجارى مائية مطابقة لتضاريس الأانهار والبحار ثم يعرف فى الجغرافيا أطوالها وطبيعة الأقاليم المحيطة بها .. وهذه المحاولات الفنية تربط الطالب بالعلوم وتربى إحساسه وتشحن ذهنه بمعلومات لا يحصل على ربعها لو اعتمد على الجغرافيا وحدها بدون فضل الرسم ذلك الذى لا يستأثر بمحاسنه وبأفضاله على بقية الفنون أيضا إذ يجيب مطالب المتصلين بهذه الفنون والمشتغلين بفروعها فى الموسيقى والغناء ودراسة الشعر وما إلى ذلك لانه أبرع عنوان لكل هذه الفنون .. فقواعد المنظور تشبه تفاعيل البحور فى النظم والنحو فى النشر وغيره .. ومسافات القرار والجواب فى التلحين .. وهكذا توافق ألوانه وتباينها تشبه انسجام الأنغام ونشازها .. هذا علاوة على أن فن الرسم يفوق فن التمثيل باتزانه فى التأثير مع روعته , وفى جمال الاداء وبهجته وفى خلود التعبير .. لان التمثيل يعبر بحركات وألفاظ ومناظير دقيقة لا تلبث أن تتلاشى بتلاشى مؤثراتها وتزول بزوالها مكانها وزمانها .. أما الرسم فيدوم تعبيره بدوام الصور والاحتفاظ بالمناظر .. ولهذا عمدوا إلى تخليد التمثيل بالتصوير السينمائى .. وإن أمعنا النظر ودققنا فى المقارنة وجدنا أن الرسام والممثل يؤديان رسالة واحدة .. كل منهما يمثل للناس الموضوع المراد .. والثانى وإن كان يمثل للمتفرجين بصورته الحية الناظقة التى هى أرق من الصور الصامتة التىى يرسمها الأول .. فهو فى الوقت نفسه يستخدم بدنه فى أداء التمثيل ويعرض ذاته أحيانا لإضحاك الناس فى حين أن الرسام يحفظ كرامته ويستخدم القلم أو الفرشاة كخادم مطيع لإرادة أنامله .. يوجهه كيفما شاء حينما يمثل المنظر المقصود .. ويمكنه بخطوطه ان يسخر بأبدان غيره برسم الصور الكاريكاتيرية لها دون أن يعرض جسمه فى تمثيل هذه السخريةكما يفعل الممثل .. ويضاف إلى ذلك ان الرسام يمكنه أن يصور جميع مافى الطبيعة من إنسان وحيوان ونبات وجماد .. أما الممثل فدائرة تمثيله محدودة بالنسبة للرسم .. والرسم بانواعه من هندسى وتصوير فوتوغرافى أو يدوى بالفرشاة أو القلم منظورا كان أو من الذاكرة والخيال عمل لا يرهق الفكر ولا يتلف الصحة كالتأليف والشعر وبقية فنون الأدب .. ولا يحبس صاحبه على مسرح قد اكتظ الناس أمامه فأفسدوا الهواءء بازدحامهم .. لأن هاوى الرسم له مطلق الحرية فى الرسم فى الهواء الطلق أو فى أى مكان يتناسب معه .. والرسم لا يتعب أعضاء السم ويهزلها كما تفعل بعض أنواع الفنون الحركية .. ولكنه يعد لمن يزاوله الجلوس بين المناظر الجميلة ويهئ له النزهات فى الخلوات ذات الهواء النقى والشمس المشرقة والهدوء المريح .. ولهذا ولغيره من الأسباب كان الرسم جديرا بكل عناية ما دامت له هذه الفوائد وهو أكبر معين على تقدير الأشياء وما بها من جمال وتزويق أو اتساق وتنسيق .. وأقوى مساعد للنفوس على التعبير عما يجول بخلدها علاوة على أنه يقوى القدرة العقلية كالتخيل والتذكر والابتداع والملاحظة .. كما يربى فيها الطبع القويم والذوق السليم ويدعو إى التحلى بجميل الخصال كاحترام الحرف والصناعات .. والتعاون مع الغير .. علاوة على كونه وسيلة من وسائل التعبير عن العواطف .. ويشجع الهاوى على التعبير عن خواطر بطرق شتى وبخامات متنوعة .. ويمتعه بالسرور من جراء ما يبتكره من العمل ويمكنه من العمل ويمكنه من البحث والملاحظة بطريقة ناجحة .. ويدرب يده على محاكاة مايراه ويدركه ويقدم الفرصة لذوى المواهب لأن يتخذوا مهنة الرسم كمستقبل لهم .. ولذا ينبغى أن نبث روح الفن فى سائر الناس بمباشرته وبزيادة متاحفه وبتشجيع معارضه ليقدروا الفنون ولبنصفوا المشتغلين بها .. وليقننوا الجمال فى صور بهية أو لوحة بديعة أو أثاث حسن المنظر او فى سماع صوت عذب أو قراءة قصيدة ممتعة وبذلك تنمو عندهم حاسة الجمال بما يحيط بهم من مناظر جميلة قد حولت حجراتهم إلى متحف للجمال وصارت مساكنهم بيئة النعيم ..
وموهبة الرسم نعمة يهبها الله لبعض الأشخاص فيجيب المحافظة عليها وتنميتها وابتكار لوحات تضيف لمحات ولمسات جمالية ومتعة بصرية لكل من يراها .
من كتاب / تعليم الرسم للمبتدئين لإبراهيم مرزوق
وموهبة الرسم نعمة يهبها الله لبعض الأشخاص فيجيب المحافظة عليها وتنميتها وابتكار لوحات تضيف لمحات ولمسات جمالية ومتعة بصرية لكل من يراها .
من كتاب / تعليم الرسم للمبتدئين لإبراهيم مرزوق
0 لا يوجد تعليق "فن الرسم"
إرسال تعليق